یفرض الوصول إلی الأهداف السامیة للثورة الإسلامیة من منطلق الخطوة الثانیة لهذه الثورة، علینا بلورة تعریف دقیق وواضح الملامح لنظریة الحکومة الإسلامیة القائمة علی أساس مفهوم الحکم فی القرآن الکریم. فقد شهدت السنوات الماضیة تألیف بحوث ودراسات موسّعة لمفهوم الحکم والحکومة فی الإسلام. لکن ما لم یحظ باهتمام کاف فی هذا المجال هو بلورة معنی «الحکم» من ناحیة المعنی والمضمون. هذا الأمر خلق نوعاً من الإختلاف فی الرأی لدی أوساط الباحثین ولم یتفق الباحثون علی صیاغة واحدة من مفهوم الحکم، والحکومة، والحوکمة؛ ولم تأت تحلیلاتهم وقراءاتهم من هذه المفاهیم متلائمة مع المفهوم الذی یقصده القرآن الکریم. فلکی نقدّم تعریفاً شاملا من مفاهیم محوریة مثل الحکم، والحکومة، والحوکمة من منظور القرآن الکریم، یجب فی الخطوة الأولی فهم مقصود القرآن من مفهوم الحکم ومشتقاته وما تتضمّنه هذه المصطلحات فی سیاقات النص القرآنی. السؤال المحوری الذی تدور حوله دراستنا هذه یتعلّق بمعنی الحکم. فما المقصود القرآنی من مفهوم کلمة «الحکم» و«الحکومة» بناء علی نظریة الأصل الواحد؟ وللرد علی هذا السؤال، اعتمدت الدراسة علی نظریة الأصل الواحد للعلامة المصطفوی التی بلورها فی مجال علم اللغات واستخدمها فی النص القرآنی. فقد تقول هذه النظریة أنّ الأصل الدلالی لمفردة الحکومة هی «البناء الداخلی الرصین، والمتناسق، والمرصوص الذی لا یتخلله ظلم أو خلل أو إفراط أو تفریط». وهذه الدلالة توحی أنّ المفهوم الذی قصده قائد الثورة الإسلامیة (مدّ ظله العالی) من کلمة الحکومة ینطبق تماماً علی المدلول القرآنی من هذه المفردة. کما اعتمدت الدراسة لجمع المعطیات علی المنهج الإسنادی وحلّلت المعطیات والبیانات بناء علی نظریة الأصل الواحد التی ترکن إلی مدالیل المصطلحات والمفاهیمها. وکما سبق القول، بلور هذه النظریة العلامة المصطفوی واستخدمها فی المجال القرآنی وطبّقها علی النص المنزّل.