تسعى هذه الدراسة إلى بیان أسس ومنطلقات میتافیزیقا الاستغراب فی حقل التجربة الإیرانیة، وترى إلیها بما هی حادث استثنائی فی التاریخ المعاصر. وتأسیساً على هذه الفَرَضیة سوف یترکز البحث على بیان مفارقات الفصل والوصل بین بعدَین متوازیین فی هذه التجربة، وهما: البُعد المیتافیزیقی الدینی المؤسَس على الإیمان بالغیب، والبُعد السیاسی الاجتماعی بما یختزنه من حضور وفعالیة فی أزمنة ما بعد الحداثة. غیر إن مقاربة الاستغراب فی التجربة الإسلامیة الإیرانیة تفترض بسبب من خصوصیتها، مجاوزة طائفة من المبادئ الناظمة لفهم الظواهر سواء فی الفلسفة السیاسیة، أو فی علم الاجتماع الحدیث. والمقصود بالمجاوزة هنا، لیس نفی أو نقض ما أخذ به العقل الحدیث من مبادئ ومعاییر، وإنما لاستئناف بیان ما حَجَبْ ته العقلانیة الحدیثة من حقائق تتعدى التفسیر المادی المحض للتاریخ. إن ما یحملنا على مثل هذا المدَّعى ، قناعتنا أن منطق السببیة الحاکم على أحداث التاریخ وتحولاته، لا ینحصر فی کهفِ التاریخانیة المغلق، بل یتعدَّاه إلى آفاق تتکشَّف فیها أطوار وأحداث عصَّیة على الترّقب، وتبقى فی الآن عینه سلیلة السببیة ومنطقها. ذاک یعنی أن ثمة حقائق تمکث فی تضاعیف التاریخ، ولا تظهر إلا حین تتوفر لها الإرادة المناسبة لإظهارها فی اللحظة والمکان المناسبین. معضلة الفکر الحدیث انه قصَّر منهجه على معرفة ما یظهر من تحولات التاریخ ومنعطفاته، من دون أن یلتفت إلى ما یکمن فی جوهر التاریخ، ویکون باعثاً لحرکته وتجدده ودیمومته.