صنفت نظریة التطوّر والتغیر الاجتماعی لدی ابن خلدون عادة علی هامش النظریات الدورانیة أو الدوریة التی تؤمن بمراحل ظهور الحضارات ونموّها وتسامیها وانحطاطها وزوالها فی النهایة. ولکن ما یبدو من خلال التعمّق والتأمّل فی نصّ مقدّمة ابن خلدون، أن هناک طریقین مختلفین ومترابطین فی الوقت نفسه وهما «التکامل الحضاری» و «التغییرات الدوریة للحکومة»، حیث یؤمن ابن خلدون من خلال تجنّب اعتبار فکره مطلقاً بالتکامل المتعدّد الخطوط أو المتذبذب لمسار الحضارة من جهة، والتغییر الدورانی أو الانحطاطی للحکومات فی النطاق الحضاری العربی - الإسلامی فی عصره من جهة أخری. ویمکن الاستدلال بأن التغییرات الدورانیة للحکومات تتحرّک وتنشط فی داخل التغییرات التکاملیة للحضارة، وأن تکامل الحضارة سوف یتخذ شکلاً متذبذباً بسبب استناد تطوّراته إلی اقتدار الحکومات. إن ترکیز ابن خلدون علی موضوع «انحطاط دول» هذا النطاق الحضاری، یمکن أن یعتبر منطلقاً مستقلاً لدراسة البلدان المسلمة والعالم الثالث من وجهة نظر علم الاجتماع، حیث یمکن أن یکون باعثاً علی تأمل علماء الاجتماع فی هذه البلدان فی قضایا اجتماعیة مثل الفساد الإداری والانحطاط وعدم الاستقرار السیاسی فی هذه البلدان فی العصر الراهن من دون التقلید والتبعیة التامّة للإطارات النظریة الاجتماعیة الغربیة. وعلی هذا الأساس أیضاً، فإنّ القضیة الاجتماعیة فی البلدان المسلمة والنامیة المعاصرة هی نفس قضیة عصر ابن خلدون وفی الوقت نفسه، فإنها خضعت للدراسة من وجهة نظر ابن خلدون باعتباره مفکّراً مسلماً وعارفاً بالقضایا الخاصة بالمجتمعات المسلمة والعربیة. وبعبارة أخری، فإن أمراً خاصاً (فساد الدولة) تتم دراسته من ظاهرة عامة (التغییر الاجتماعی) بنظرة مستقلة (نظریة انحطاط الدولة لدی ابن خلدون).