الحوکمه فی القرآن و السنه
سال:1404 | دوره:3 | شماره:1 |تعداد مقالات:6

إن مشروع بناء الحضارة الإسلامیة الجدیدة، والسعی نحو تحقیقها کضرورة اجتماعیة ملحة، یفرض علینا استخراج الشبکة الدلالیة الإسلامیة المرتبطة بها. إذ لا یمکن رسم معالم المتغیرات المؤثرة فی عملیة الوصول إلی هذه الحضارة من دون الکشف عن هذه الشبکة الدلالیة. وفی هذا السیاق، یعد النص القرآنی الکریم المصدر الأول والأوضح لاستخراج هذه المفاهیم والمعانی. فالقرآن الکریم یحمل فی طیاته رسالة محوریة تتمثل فی بناء رؤیة شمولیة لدی الإنسان (رؤیة حضاریة) تنظم علاقته بالوجود، والخالق، والمعاد. ویسعی القرآن دائما إلی ترسیخ هذه العلاقة وتعزیزها عبر مفهوم «الذکر» وتذکیر الإنسان بالعوامل الضروریة لإحیاء حیاته الاجتماعیة، مما یسهم فی نشوء الرؤیة الحضاریة وصیانتها وتطویرها. ویعنی النص القرآنی بتذکیر النعم الکبری کالأمن، والوحدة، والإحسان، والعدل، والحریة، والتی یمکن إدراجها ضمن إطار «النعم السیاسیة». الهدف الرئیس من هذا البحث هو تحلیل أثر النعم السیاسیة الإلهیة، مع الترکیز علی نعم: الوحدة، والأمن، ودفع الخطر، والولایة، فی مسار تحقیق الحضارة الإسلامیة الجدیدة. وتتمثل الإشکالیة المرکزیة فی: ما معنی الذکر والتذکیر بـ«النعمة» فی القرآن الکریم من منظور حضاری؟ وکیف تسهم النعم السیاسیة- لا سیما الوحدة، والأمن، ودفع الخطر، والولایة- فی بناء هذه الحضارة؟ أما السؤال الرئیس الذی یطرحه البحث فهو: کیف تؤثر النعم السیاسیة الإلهیة علی مسارات تحقق الحضارة الإسلامیة الجدیدة وبلوغها؟ تنطلق فرضیة البحث من أن القرآن الکریم، من خلال التأکید علی التذکیر بهذه النعم وضرورة الاستفادة الرشیدة منها، یوجه الأمة الإسلامیة نحو المسار الحضاری الرفیع، ویحول دون انحدارها. ویعتمد البحث علی المنهج الوصفی التحلیلی، مستندا إلی شواهد قرآنیة، وتحلیل الآیات ذات الصلة، للکشف عن دور هذه النعم السیاسیة کعناصر جوهریة فی دینامیکیة الحضارة الإسلامیة. وقد بینت نتائج البحث أن القرآن الکریم، عبر تأکیده علی النعم السیاسیة الإلهیة - مثل الوحدة، والأمن، ودفع الخطر، والولایة - وعلی ضرورة شکرها والوفاء بها، یوجه الأمة نحو بناء حضارة قائمة علی العدالة، والتقدم العلمی، والرفاه الاجتماعی، والقیم الأخلاقیة، کما یحول دون تدهورها. فعلی سبیل المثال: تعزز «الوحدة» التماسک الاجتماعی والتقارب بین مکونات الأمة؛ ویعد «الأمن» شرطًا أساسًا لتحقیق العدل والنهوض؛ أما «دفع الخطر» فیوفر بیئة مستقرة متینة تعین علی البناء؛ فیما تسهم «الولایة»، کنظام حکم عادل مستند إلی الشریعة، فی توجیه المجتمع نحو الرقی والتحضر. ولا تقف آثار هذه النعم عند حدود الأخلاق الفردیة، بل تمتد لتعزیز المسؤولیة الاجتماعیة، وتقویة أسس الحضارة الإسلامیة. بینما یؤدی غیابها إلی ضعف الأمة وزوال حضارتها. وعلیه، فإن القرآن الکریم، بتأکیده المستمر علی هذه النعم وضرورة شکرها واستثمارها، یرسم خارطة طریق للأمة نحو النهوض الحضاری. ویشکل هذا التوجه استراتیجیة وقائیة فاعلة للحفاظ علی الحضارة الإسلامیة وتطویرها، کما یمثل نموذجا یحتذی به فی بناء المجتمعات الإسلامیة المعاصرة.

تُعَدّ إدارة المعلومات من المکوّنات الأساسیّة والاستراتیجیّة فی هندسة واستدامة أنظمة الحوکمة المعاصرة. ففاعلیّة عملیات اتّخاذ القرار فی المستویات السیاسیّة العلیا، والاستقرار الاجتماعی، والأمن الوطنی ترتبط ارتباطًا وثیقًا بمنهجیّة تدفّق المعلومات وحُسن إدارتها. وفی إطار خطاب الحوکمة الحدیثة الذی یُؤکّد علی التفاعلات المعقّدة بین الدولة والمجتمع المدنی والقطاع الخاص فی إدارة الشؤون العامّة، تتجاوز وظیفة إدارة المعلومات حدود الآلیّات البیروقراطیّة البحتة لتغدو عنصرًا حیویًّا فی تعزیز الشفافیّة والمساءلة والمشارکة. ویُقدّم النظام القانونی والقیمی للإسلام مقاربة متمیّزة ومتعدّدة الأبعاد لهذه القضیّة؛ بحیث إنّ إدارة المعلومات لا تُعَدّ مجرّد أداة لزیادة کفاءة النظام، بل هی جزء لا یتجزّأ من فلسفة وأصول الحوکمة الإسلامیّة، وترتبط ارتباطًا عمیقًا بالأسس العقدیّة والأخلاقیّة والسیاسیّة والإداریّة والاجتماعیّة. وتُشکّل الآیة الکریمة 83 من سورة النساء نصًّا محوریًّا فی الأدبیّات القرآنیّة، إذ تتناول بصورة مباشرة المتطلّبات الأساسیّة فی التعامل مع المعلومات الحسّاسة فی المجتمع الإسلامی، وتقدّم تعالیم قیّمة للتنظیر وتطبیق إدارة المعلومات فی سیاق الحوکمة الإسلامیّة. الهدف الرئیس من هذا البحث هو استکشاف وبیان تحلیلی- تفسیری لمبادئ ومتطلّبات إدارة المعلومات فی نظام الحوکمة الإسلامی، مع الترکیز علی تحلیل الآیة المبارکة 83 من سورة النساء. ویسعی هذا البحث، من خلال التعمّق فی الطبقات الدلالیّة للآیة وآراء المفسّرین، إلی استنباط إطارٍ مفهومی لإدارة المعلومات من منظور القرآن فی سیاق الحوکمة، وإبراز دلالاته العملیّة فی مواجهة التحدّیات المعلوماتیّة المعاصرة. وبناءً علی ذلک، صیغ السؤال الرئیس للبحث علی النحو الآتی: ما هی المبادئ والأسس التی تقدّمها الآیة 83 من سورة النساء لإدارة المعلومات فی منظومة الحوکمة الإسلامیة؟ وکیف تتوافق هذه المبادئ مع الأبعاد العقدیّة والسیاسیّة والإداریّة والاجتماعیّة للحوکمة، وتملک فی الوقت ذاته قابلیّة التکیّف مع ظروف وتحدّیات العصر الراهن؟ أُنجز هذا البحث باعتماد منهج نوعی وبطبیعة وصفیّة - تحلیلیّة. وقد ارتکزت منهجیّة الدراسة علی تحلیل المحتوی التفسیری (Content Analysis) للآیة الکریمة 83 من سورة النساء. تکشف النتائج الرئیسة للبحث عن إطار متعدّد الأبعاد ومنهجی قدّمته الآیة 83 لإدارة المعلومات فی سیاق الحوکمة الإسلامیّة. ویُظهر البحث بوضوح أنّ هذه الآیة لم تقتصر علی معالجة إدارة المعلومات فی ظروف خاصّة بعصر صدر الإسلام، بل إنّها ترسم إطارًا شاملاً ودینامیکیًّا لإدارة المعلومات فی مختلف أبعاد نظام الحوکمة الإسلامی عبر العصور. هذا الإطار الذی یقوم علی مبادئ المرجعیّة الصالحة (عقدیّة وسیاسیّة)، والتحلیل التخصّصی (إداری)، والمسؤولیّة الجماعیّة (اجتماعیّة- تربویّة)، یوفّر نموذجًا نظریًّا وعملیًّا للحوکمة الرشیدة. وتُبرز النتائج الطاقة الفریدة للتعالیم القرآنیّة فی تقدیم حلول جذریّة لإشکالیّات إدارة المعلومات والحوکمة فی المجتمعات الحدیثة، مؤکّدةً الحاجة إلی إعادة النظر فی المقاربات السائدة، بالاستناد إلی الأسس الدینیّة ودمجها بالمعرفة المعاصرة.

فی رسالة الحقوق للإمام السجاد(ع)، یُعدّ حق الحاکم وواجباته فی النظام الاجتماعی أحد المحاور الأساسیة والبارزة. هذه الوثیقة القیّمة لا تقتصر فقط علی عرض وجهات نظر الإمام بشأن حقوق الحکّام وواجباتهم، بل تُظهر أیضًا أنّ الإمام السجاد فی مواجهته للحکّام الجائرین اتّبع نهجًا مختلفًا عن أسلافه، وخصوصًا الإمام الحسین(ع). ففی حین کان الإمام الحسین یؤکّد علی مبدأ النهوض ومکافحة الظلم لإصلاح المجتمع، اتّجه الإمام السجاد، بدلًا من الترکیز علی المقاومة المباشرة والانتفاضة العسکریة، إلی مفهوم "التماحُک"، معتمدًا سیاسة المداراة والإصلاح التدریجی. یُظهر هذا الاختلاف الجوهری فی النهج أنّ الإمام السجاد، بالنظر إلی الظروف الخاصة التی فرضها ذلک العصر، تبنّی استراتیجیة تکیفیة تهدف إلی الحفاظ علی الإسلام والهویة الشیعیة. الهدف الرئیس لهذه الدراسة هو تحلیل الأسباب والخلفیات التی أدّت إلی تغیّر نهج الإمام السجاد(ع) فی التعامل مع الحاکم الجائر، بالمقارنة مع الإمام الحسین والأئمة الذین سبقوه. والسؤال الأساسی هو: ما العوامل الاجتماعیة والسیاسیة والثقافیة التی جعلت الإمام السجاد یُفضّل سیاسة المداراة والتماحُک علی القیام المباشر؟ وما هی الفروقات فی الخلفیات الثقافیة وظروف العصر التی ساهمت فی تشکیل هذا النهج؟ تعتمد هذه الدراسة علی تحلیل نصّ رسالة الحقوق للإمام السجاد(ع)، باستخدام منهج التأویلیة (الهرمنیوطیقا) ونظریة القصدیة لسکینر. یتیح هذا المنهج فهمًا عمیقًا للسیاق الاجتماعی والسیاسی والتاریخی لعصر الإمام السجاد، ویکشف المعانی الضمنیة والأسس الفکریة للنصّ. کما تستند هذه الدراسة إلی مصادر مکتبیة ونصوص تاریخیة وفقهیة وحدیثیة، من أجل تقدیم تحلیل متعدد الأبعاد للأسس الفکریة والاجتماعیة والسیاسیة التی شکّلت نهج الإمام. بناءً علی نتائج البحث، فإن عوامل مثل تراجع القیم الإسلامیة، الضغوط الاجتماعیة، الظروف الصعبة للإمام السجاد(ع) والشیعة، الانتفاضات المختلفة، وضعف التنظیم الشیعی، دفعت الإمام السجاد إلی تبنّی استراتیجیة تدریجیة تضمن استمراریة الإسلام والهویة الشیعیة فی مواجهة الحکّام الجائرین؛ خاصةً وأن عدد الشیعة قد تغیّر بشکل کبیر مقارنةً بعصر الإمام الحسین(ع)، وأصبحت الظروف أکثر صعوبة علیهم. النتیجة الرئیسیة هی أن رؤیة الإمام فی التعامل مع الحاکم الجائر تحوّلت من الترکیز علی المقاومة العسکریة إلی نهج قائم علی سیاسة المداراة، الإصلاح التدریجی، وتعزیز الإسلام والتشیّع بشکل متواصل. هذا النهج، لا سیما فی نصّ رسالة الحقوق وفی السیاق الاجتماعی لتلک الفترة، یُظهر الإمام السجاد کنموذج للصبر، الحکمة، والتدبیر، حیث سعی إلی استبدال الانتفاضات المسلحة بأدوات ناعمة وثقافیة. الاستنتاج النهائی یُظهر أن تغییر نهج الإمام السجاد لم یکن تجاهلًا لحقّ المقاومة، بل کان قرارًا واعیًا واستراتیجیًا للحفاظ علی بقاء الشیعة واستمراریة الإسلام. یمکن لهذا النهج أن یکون نموذجًا لفهم وتحلیل تحرّکات الأئمة والقادة الدینیین فی مواجهة الحکّام الجائرین والمستبدّین. کما أن هذه الدراسة تتیح فرصة للتفکیر فی السیاسات الناعمة والتدریجیة فی مجال الدین والسلطة، خصوصًا فی الظروف الحرجة والمعقّدة، ویمکن أن تلعب دورًا مهمًا فی تفسیر النهج الموجود فی سیرة الإمام السجاد(ع).

من جملة القواعد الاُصولیة المطروحة فی علم أُصول الفقه قاعدتا: التخصیص والتقیید، اللتان یُصار إلیهما فی مقام الجمع العُرفی بین الأدلّة فی موارد التعارض غیر المستقرّ، فلو کان لدینا دلیل عامّ وفی مقابله دلیل خاصّ یتمّ الجمع بینهما طبقاً لقاعدة التخصیص، وکذا الکلام فی التقیید. والسؤال المطروح هل ثمّة خصوصیة للدلیل القرآنی فیما لو کان مطلقاً أو عامّاً واُرید تقییده أو تخصیصه بخبر الواحد، أوْ لا؟ والفرضیة التی ننطلق منها هی: وجود خصوصیة للدلیل القرآنی، ولا بدّ من وجود ضوابط محدّدة لعملیتی تخصیص الکتاب أو تقییده بخبر الواحد. والمنهج المعتمد هو المنهج الاجتهادی الاُصولی بما یضمّ من قواعد و وسائل إثبات مع شیء من التطعیم بنکات مبنائیة خاصّة. والهدف هو إحکام منهج الاستنباط الفقهی فیما یتعلّق بالدلیل القرآنی أکثر ممّا هو علیه الآن. وأهمّ النتائج التی توصّلنا إلیها: أنّ عملیة تخصیص الکتاب بخبر الآحاد یجب أن تخضع لقانونین: القانون الأوّل: لزوم استحکام الخبر الذی یُراد تخصیص أو تقیید العموم أو الإطلاق القرآنی به من حیث المتن والسند والدلالة والحجّیة، وخلوّه من أیّ مضعّف، وقد تمّ الاستدلال علی هذا القانون ضمن مرحلتین، والقانون الثانی: لزوم کون العموم أو الإطلاق القرآنی قابلاً للتقیید أو التخصیص فی نفسه ومع قطع النظر عن ورود مخصّص أو مقیّد.

إنّ الإتحاد بین المسلمین یُعدّ من أهمّ شعائر الدین الفطری، لأنّ الفطرة تحب وحدة الکلمة. فهذا المقال یهدف إلی بیان مقوّمات الوحدة الإسلامیة وتعزیزها انطلاقاً من بعض القیم الإنسانیة المتجذّرة فی فطرة الإنسان، مع التأکید علی أنّ الفطرة الإلهیة تمثّل الأساس الأصیل للوحدة، وتُسهم فی نفی مظاهر العنصریة والتمییز الطبقی بین البشر. ومن هنا، یُطرَح السؤال المحوری التالی: ما هی المقوّمات الفطریة للوحدة الإسلامیة، وکیف یمکن تفعیلها وتقویتها من منظور الإمام علی(ع) فی نهج البلاغة؟ للإجابة عن هذا السؤال، اعتمد البحث علی المنهج التحلیلی-الإجتماعی، حیث قام بتحلیل عدد من النصوص الواردة فی کتاب «نهج البلاغة» للإمام علی(ع)، وذلک ضمن إطار أنثروبولوجی فطری یُرکّز علی خصائص الإنسان بوصفه کائناً اجتماعیاً یمیل بفطرته إلی التوحّد والتعاون مع الآخرین. وقد توصّل البحث إلی عدد من النتائج المهمّة، أبرزها أن هناک مجموعة من القیم الفطریة ألتی تشکّل الدعائم الأساسیة للوحدة الإسلامیة، وهی: الحریة، والعقلانیة، والمدنیة، والعبودیة لله، والتعاطف، والتعاون. فهذه القیم لیست فقط مفاهیم أخلاقیة، بل هی جواهر إنسانیة أصیلة أکّدتها النصوص الدینیة بالأخص کلام الإمام علی(ع) للوصول إلی الثقافة القرآنیة والحضارة العالمیة. کما أنّ هذه القیم تُسهم فی خلق أرضیة مشترکة بین المسلمین علی إختلاف مذاهبهم، وتجعل من الوحدة الإسلامیة مشروعاً واقعیاً وقابلاً للتطبیق. ومن جهة أخری، بیّن البحث أن الوحدة الإسلامیة لیست مجرّد مسألة دینیة فقط، بل هی ضرورة مرکبة تجمع بین الشرعیة الدینیة، والمشروعیة العقلیة، والمقبولیة الإنسانیة. ومن هنا، فإن تفعیل هذه الوحدة یحتاج إلی توظیف المناهج المستندة إلی العلوم الإجتماعیة والأخلاقیة، من أجل تعزیز المشترکات وتجاوز الخلافات الجزئیة أو الفقهیة ألتی غالباً ما تُضخَّم خارج سیاقها. فی هذا السیاق، یقدّم البحث معیارین أساسیین لإستخراج وتفعیل هذه القیم الفطریة: أولاً: التحلیل المفهومی- الفلسفی ضمن إطار الأنثروبولوجیا الفطریة الإسلامیة، حیث یُنظر إلی الإنسان ککائن فطری، مختار، عقلانی، میّال إلی الإجتماع، وموجّه بطبعه نحو الإیمان والبحث عن الله تعالی. هذا التصوّر مستلهم من المبادئ القرآنیة، ومؤکَّد فی أقوال الإمام علی(ع) فی «نهج البلاغة»، خاصة فی ما یتعلق بطبیعة الإنسان ووظیفته الإجتماعیة. ثانیاً: الإستفادة من مکتسبات العلوم الإنسانیة المعاصرة، مثل علم النفس، وعلم الإجتماع، وفلسفة الأخلاق، من أجل تطویر فهم أکثر شمولاً لدور الإنسان کفاعل اجتماعی یسعی إلی بناء علاقات قائمة علی التفاهم، والتعاطف، والتعاون، وکلّها من القیم الأساسیة للوحدة. فالوحدة الإسلامیة، من منظور الإمام علی(ع)، لیست شعیرة دینیة فقط، بل مشروع حضاری شامل یتطلّب وعیاً فطریاً، وسعیاً عقلانیاً، وتعاوناً إنسانیاً، وهو السبیل الأمثل لمواجهة التحدیات المعاصرة بروح جماعیة موحَّدة تقوم علی الحوار، والإحترام المتبادل، ونبذ التکفیر والفرقة. معنی الحریة متمثل فی نفی سلطة الطاغوت، لأنّ الکفار لا سبیل لهم علی المؤمنین، وهذه تحتاج إلی الحریة ألتی تؤدّی إلی الوحدة الإسلامیة. إنّ الحریة الشخصیة إذا بُنیت علی أُسسٍ أخلاقیة، فإنّها تُهَیِّئُ الإنسان للتعامل مع الآخرین بروح التصالح والمودّة. وکذلک الإجتماع بحریته یصل إلی الوحدة الوطنیة ویختار منافعه ومصالحه فی بلده. وبالتالی، إذا رفضت جمیعُ البلدانِ الإسلامیةِ سلطةَ الطاغوتِ والأعداء بحریّتها، واجتمعت علی کلمةِ التوحید، فإنها تنالُ الفوزَ والسعادة. والتفکّر من التعالیم الدینیة ألتی تجنّب الإنسان الأعمالَ الوهمیة والسخیفة، وتهدیه إلی العلم والثقافة. فکلّ هذه الأمور تمیل بالإنسان إلی الوحدة، أمّا الجهل والریب فهما یؤدیان إلی الخلاف والفرقة. المدنیّة بالطبع تعنی أنّ الإنسان مجبولٌ علی العیش مع الآخرین والتعاون معهم، وهی تُشکّل أساسًا فطریًا للوحدة. فحین یدرک الإنسان حاجته المتعالیة إلی الإجتماع، یسعی إلی تحقیق الوحدة الإسلامیة وتجاوز أسباب التفرقة. والعبودیة لله تُرسّخ مبدأ التوحید ألذی یجمع المسلمین تحت رایة واحدة، وتُحرّرهم من الإنقسام الناتج عن الولاءات البشریة. فهی أساس للتماسک الروحی والإجتماعی فی الأمة الإسلامیة. التعاطف یُنمی مشاعر الأخوة والمحبّة بین أفراد الأمة، ویُقلل من الصراعات والنزاعات. فهو یُعدّ عنصراً أساسیاً فی تحقیق الوحدة الإسلامیة عبر تعزیز التفاهم والتکافل. التعاون یُعزّز العمل الجماعی ویُوحّد الجهود نحو الأهداف المشترکة، مما یُقوّی روابط الأمة. وبه تُبنی وحدة إسلامیة متینة تقوم علی التکامل لا التنازع. أن مقاربة الإمام علی(ع) لوحدة الأمة تمثل مشروعًا حضاریًا یقوم علی أسس فکریة وعقائدیة وإنسانیة مترابطة، ویُعَدُّ نموذجًا عملیًا یُمکن للأمة الإسلامیة استلهامه فی ظل التحدیات المعاصرة التی تهدّد کیانها ووحدتها.

ظهور الإسلام فی القرن السابع المیلادی کان حدثًا تاریخیًا حاسمًا یحمل رسالة عالمیة تهدف إلی هدایة البشریة نحو الحقائق الإلهیة. لقد اضطلع الأنبیاء، وعلی رأسهم النبی الکریم(ص)، بدور فرید فی بناء الحضارة، وتعزیز العلاقات الاجتماعیة والدولیة، ونشر ثقافة المطالبة بالعدالة. فی النظام القانونی الإسلامی، تحظی العلاقات الدبلوماسیة ومفاهیمها بمکانة بارزة، حتی أن مؤسسة السفارة والدبلوماسیة تُعد من أهم التعالیم الدینیة. وتبرز هذه المفاهیم بوضوح فی دبلوماسیة النبی(ص). تشیر الدبلوماسیة النبویة إلی الأنشطة والإجراءات التی اتخذها النبی(ص) بصفته رئیس الدولة الإسلامیة، وکذلک من خلال السفراء الذین اختارهم، بهدف تحقیق السیاسات العامة للدولة الإسلامیة علی الساحة الدولیة. کانت توجه الأهداف العلیا والخطوط العریضة لسیاسة الإسلام ومصالح الأمة الإسلامیة دبلوماسیة النبی. خلال فترة رسالته وحکمه، قام النبی(ص) بإجراءات غیر مسبوقة فی هذا المجال، مثل صیاغة وإرسال الرسائل، وإیفاد السفراء إلی قادة الدول الأخری، ولا سیما إلی الإمبراطوریات الکبری آنذاک. إن نهج النبی الکریم(ص) فی الدبلوماسیة، بما فی ذلک إرسال واستقبال السفراء، إلی جانب الامتیازات والحصانات الدبلوماسیة، یمکن أن یکون مصدر إلهام فی تحلیل العلاقات والقوانین الدولیة. تعتبر الحصانة والامتیازات الدبلوماسیة أحد المبادئ الأساسیة فی القانون الدولی، ولها جذور تاریخیة عمیقة. فی التعالیم الإسلامیة، لا یُعترف بهذه الحقوق فحسب، بل یتم التأکید علیها کعنصر جوهری فی العلاقات العالمیة. السؤال الرئیسی الذی یطرحه هذا البحث هو: ما هی الأسس الشرعیة للحصانة والامتیازات الدبلوماسیة فی الإسلام؟ تشیر نتائج هذا البحث، الذی یعتمد علی المنهج الوصفی-التحلیلی القائم علی المصادر المکتبیة، إلی أن قاعدة الأمان (الآیة 6 من سورة التوبة) ومبدأ المصلحة یُعدان من أبرز الأسس الشرعیة لهذه المؤسسة. وتظهر الدراسة أنه علی الرغم من أن الدول قد قبلت هذه الحصانات الدبلوماسیة بتردد عبر التاریخ، إلا أن ضرورتها العملیة لضمان أمن المبعوثین واستقلالهم أدت إلی قبولها النهائی. من بین النظریات القانونیة القائمة (التمثیل، خارج الحدود، ومصلحة الخدمة)، فإن النظام القانونی الإسلامی، مع الترکیز علی نظریتی التمثیل ومصلحة الخدمة، قد رفض نظریة خارج الحدود، مما یجعله متماشیاً مع القانون الدولی المعاصر. علاوة علی ذلک، تقوم أسس الامتیازات الدبلوماسیة فی الإسلام علی مبدأ المعاملة بالمثل، بمعنی أن منح الامتیازات والإعفاءات للسفراء الأجانب یکون مشروطًا بمعاملة مماثلة للدبلوماسیین المسلمین فی الدول الأخری. وقد أُکّد هذا المبدأ فی المصادر الفقهیة، کما أنه یتماشی مع المادة 34 من اتفاقیة فیینا لعام 1961 فی القانون الدولی الحدیث. تُظهر نتائج هذا البحث أن الفقه الإسلامی، عبر الجمع بین المنطق القانونی والقیم الأخلاقیة، استطاع تقدیم إطار متوازن وفعال ومتقدم للعلاقات الدبلوماسیة، بحیث یحافظ علی المبادئ والقیم الإسلامیة، ویتماشی فی الوقت ذاته مع المعاییر الدولیة. یمکن لهذا النظام القانونی أن یشکل نموذجًا مناسبًا لتطویر حقوق الدبلوماسیة فی العصر الحدیث.